واجبات الحج:
الأول:
الإحرام من الميقات المعتبر له، وقد تقدم.
الثاني:
الوقوف بعرفة في يوم عرفة، من بعد الزوال إلى غروب الشمس، ومن دفع قبل الغروب من يوم عرفة ولم يرجع إليها قبل الغروب فعليه دم.
الثالث:
المبيت بمزدلفة بعد الإفاضة من عرفات ليلة عاشر ذي الحجة، وسميت مزدلفة، من الزلف وهو التقرب. لأن الحجاج إذا أفاضوا من عرفات، ازدلفوا إلى منى، أي قربوا منها، ومضوا إليها، وكلها موقف لكن الوقوف عند جبل "قزح" أفضل. وتتأكد صلاة الفجر بالمزدلفة على الأقوياء ونحوهم بأمور:
منها: قوله :
«من شهد صلاتنا هذه ـ يعني بالمزدلفة ـ
فوقف معنا حتى ندفع، وقد وقف بعرفة
قبل ذلك ليلًا أو نهارًا، فقد تم حجه وقضى تفثه»،
وقوله تعالى:
( فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ)
[البقرة: 198].
وفعل رسول الله خرج مخرج البيان لهذا الذكر المأمور به. ولقوله : «خذوا عني مناسككم»
رواه مسلم والنسائي واللفظ له. ولقوله :
«لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس»
رواه الخمسة إلا النسائي.
فعلى هذا: فإني أنصح الحجاج الأقوياء من إخواني المسلمين، أن لا يدفعوا من مزدلفة حتى يصلوا الفجر بها، ويذكروا الله ويدعوه خاشعين مستغفرين ملبين، وأما الضعفاء فلهم أن يدفعوا بعد غيبوبة القمر، بل يجب عليهم المبيت إلى غيبوبة القمر، وقال بعضهم:
إلى نصف الليل، ومن دفع قبل ذلك فعليه دم.
الرابع:
رمي الجمرات، ووقت رمي جمرة العقبة من غيبوبة القمر ليلة النحر إلى غروب الشمس.
ووقت رمي الجمرات الثلاث في أيام التشريق من زوال الشمس إلى غروبها، ومن لم يتمكن من ذلك، فله أن يؤخر الرمي إلى اليوم الثاني أو الثالث من أيام التشريق.
الخامس:
الحلق أو التقصير بعد رمي جمرة العقبة يوم النحر.
السادس:
المبيت بمنى ثلاث ليال، وهي ليلة الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر لمن تأخر، أو ليلتين لمن تعجل، وهما ليلة الحادي عشر والثاني عشر.
السابع: طواف الوداع.
فمن ترك واجبًا فعليه دم فإن عدمه صام عشرة أيام.
سنن الحج والوقوف بعرفة:
منها:
الخروج إلى منى ضحى يوم التروية وهو ثامن ذي الحجة ويصلي بها الحاج خمس صلوات الظهر يوم الثامن، والعصر، والمغرب، والعشاء والفجر، ويقصر الرباعية.
ومنها:
المبيت بمنى ليلة التاسع وعدم الخروج منها إلى عرفة إلا بعد طلوع الشمس.
ومنها:
النزول بنمرة وصلاة الظهر والعصر قصرًا وجمعًا مع
الإمام إن أمكن.
ومنها:
إتيانه لموقف عرفات بعد أدائه صلاة الظهر والعصر، والاستمرار بالموقف ذاكرًا داعيًا إلى غروب الشمس، ويكثر الاستغفار والتضرع والخشوع، وإظهار الضعف والافتقار، ويلح في الدعاء.
ومنها:
السكينة في السير وعدم الإسراع لقوله :
«يا أيها الناس عليكم السكينة فإن البر ليس بالإيضاع»،
والإيضاع هو: الإسراع.
ومنها:
الإكثار من التلبية والذكر في طرقه إلى منى وإلى عرفات وإلى مزدلفة وإلى منى، ويقطع التلبية إذا شرع في رمي جمرة العقبة.
ومنها:
تأخير صلاة المغرب إلى أن ينزل بمزدلفة فيصلي المغرب والعشاء بها جمعًا وقصرًا.
ومنها:
الوقوف مستقبل القبلة ذاكرًا داعيًا عند المشعر الحرام بعد صلاة الفجر حتى يسفر جدًا.
ومنها:
الدفع من مزدلفة بعد الإسفار وقبل طلوع الشمس.
ومنها:
الإسراع في السير ببطن محسر قدر رمية حجر إن لم يخش ضررًا.
ومنها:
رمي جمرة العقبة بين طلوع الشمس والزوال.
ومنها:
قول: "الله أكبر" مع كل حصاة يرميها.
ومنها:
الترتيب بين رمي جمرة العقبة ثم النحر ثم الحلق ثم
طواف الإفاضة.
ومنها:
أداء طواف الزيارة ـ أي الإفاضة ـ في يوم النحر قبل الغروب.
ومنها:
مباشرة ذبح الهدي أو شهوده حال نحره أو ذبحه.
ومنها: الأكل من الهدي، لأنه كان يأكل من هديه.
ومنها: المشي إلى الجمرات الثلاث أيام التشريق.
ومنها:
الوقوف للدعاء مستقبل القبلة بعد رمي الجمرة الأولى والثانية دون الثالثة، لأنه لا دعاء يستحب بعد رميها إذ كان النبي يرميها وينصرف.
تنبيه:
يحصل التحلل الأول لفعل اثنين من ثلاثة:
الرمي، والحلق، والطواف، لحديث عائشة مرفوعًا:
«إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم الطيب
والثياب وكل شيء إلا النساء»
رواه أحمد.
قال الترمذي: والعمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النبي وغيرهم، يرون أن المحرم، إذا رمى جمرة العقبة يوم النحر، وذبح وحلق أو قصر فقد حل له كل شيء حرم عليه إلا النساء.
وذبح هدي التمتع والقران لا يصح إلا بعد طلوع الشمس يوم النحر فلو رمى قبل الفجر فإنه لا ينحر حتى تطلع الشمس.
ومما ينبغي التنبيه عليه:
الأول:
أن صعود جبل الرحمة بعرفة تقربًا بدعة، لأنه لم ينقل عن رسول الله ، ولا عن أحد من أصحابه ولا عن أحد من سلف الأمة الصالح أنه صعد الجبل يوم عرفة تقربًا،
وكان موقف النبي أسفل الجبل عند الصخرات، وقال:
«وقفت ههنا وعرفة كلها موقف»
رواه مسلم.
الثاني:
الحلق أفضل من التقصير، والتقصير لابد فيه
من الإتيان على جميع الرأس لا على كل شعرة شعرة.
الثالث:
ترك البقاء في منى في نهار أيام التشريق وهو (أي البقاء بمنى) مشروع لأجل رمي الجمرات وإقامة ذكر الله، وإن كان غير واجب فإنه من السنة.
الرابع:
تفرق الجماعات للصلوات الخمس، في منى وعرفة ومزدلفة، كل فرقة يصلون في خيمتهم وحدهم، وهذا لا ينبغي لأن ذلك مخالف للسنة، بل السنة أن يصلي الحاج المسلم مع أكثر عدد ممكن إذا وجد مكانًا، وإذا لم يجد فالتفرق جائز.
الخامس:
من الناس من يصور أو يصور حال إحرامه، وفي وقوفه بالمشاعر، والتصوير حرام في كل زمان ومكان، ولكنه يغلظ تحريمه في تلك المشاعر بل هو من الإلحاد في تلك المشاعر،
والله عز وجل يقول:
( وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)
[الحج: 25].
السادس:
من الناس من يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
أثناء حجه، وترك الأمر والنهي مع الاستطاعة وعدم المفسدة، حرام في كل وقت يأثم تاركه، ولكن ترك الأمر والنهي في حرم الله يكبر فيه الذنب ويعظم الإثم ويغلظ.
السابع:
من الحجاج من يجادل في الحج، وقد يكون بخلاف مع رفقته، أو بأسباب المزاح الزائد عن المباح ونحو ذلك، وقد لا يحصل جدالهم إلا في آخر حجهم، وكل هذا من كيد الشيطان ومكره ليفوت على الحاج وعد النبي بقوله:
«من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه»
ـ أي بغير ذنب ـ.
فعلى الحاج أن يحذر من الجدال والخصومة، وأن يبتعد عن الفسوق، من غيبة ونميمة وشرب حرام كدخان ونحوه، وأن يغض طرفه عن النظر إلى الحرام والاستماع إليه، وأن يجتنب الرفث،
لقوله تعالى
(الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ)
[البقرة: 197].
أيها الحجاج! أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، فهي التجارة التي لا تبور، وأحثكم على مراقبته سبحانه وتعالى، فإنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فشمروا لطاعته واحذروا التواني والفتور، وحافظوا على أداء الفرائض والسنن، وافزعوا إلى كتاب الله فنعم المفزع عند البلايا والمحن والملاذ عند مضلات الفتن.